قصة سيدنا ابو هريرة رضي الله عنه
[size=9]
أبو هريرة:
أمانة الرواية وصدقها
عفا
الله عن رجال يتكلمون في أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه وعن روايته للحديث
فهم يغمزون ويلمزون ويتكلمون عن كثرة روايته، مع انه صحابي جليل شهد له
رسول الله (ص) بالصدق، ودعا له، وكان رجلا قد هاجر الى الله ورسوله وكان
من الزم الصحابة له وكان يدور معه حيث دار حرصا على الحديث وروايته، ويأخذ
عنه ويروي عنه بكل أمانة وصدق.
والحديث
عن صحابة رسول الله (ص) (ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه) لا بد ان يكون
بأدب وعلى علم واسس صحيحة لا يخدش صحابيا ولا يغمز بأحد منهم، لأن النبي
(ص) حذرنا من ذلك عندما قال: «الله الله في اصحابي، فلو انفق احدكم مثل
احد ذهبا ما بلغ مد حدهم ولا نصيفه» وقد لاحظت بكل أسف ان هناك احاديث
تدور عن روايته للحديث وكثرتها ولو ردها هؤلاء الى علماء الحديث ورجاله
لعلموا الحقيقة وعرفوا صدق الصحابة وأمانتهم في الرواية، لأنهم تربوا على
يد رسول الله (ص) وسمعوا منه، واخذوا عنه، وتعلموا منه أهمية الصدق، وقد
حذرهم من الكذب عليه حين قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار».
وعلينا
ان نعلم ان أبا هريرة صحابي جليل، صحب رسول الله (ص)، وكان قريبا منه، وقد
احبه رسول الله (ص)، ودعا له بالحفظ، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا،
ومن أهل الصفة، وكان حريصا على سماع الحديث من النبي (ص)، وكثيرا ما كان
يتحمل آلام الجوع حتى لا يفوته شيء من الحديث النبوي الشريف.
وقد
صحب النبي (ص) وحفظ الكثير من احاديثه، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا
دقيقا، وعرف بالصدق والايمان والتقوى، والمروءة، والاخلاق، ولهذا فإنه أمر
مؤسف ان نلاحظ بين وقت وآخر تهجم بعض المستشرقين، فقد حذا بعض من لا علم
له بالحديث حذو هؤلاء المستشرقين، وصدقوا أقوالهم في الطعن في الصحابة
الكرام، والطعن في الحديث الشريف، والتشكيك في روايته، وكثير من هؤلاء
الطاعنين من المسلمين الذين لم يدرسوا حياة هذا الصحابي الجليل دراسة
صحيحة، ولم يعرفوا حقائق ناصعة عن روايته ودقته، ولهذا فقد أخذوا بكل أسف
يغمزون ويلمزون، وهذا أمر خطير لأن رسول الله (ص) قال: «من آذى اصحابي فقد
آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله... الحديث» ومن هنا فإننا نلاحظ ان بعض
هؤلاء الطاعنين قد اسرفوا على أنفسهم وعمدوا الى اتهام أبي هريرة رضي الله
عنه بالاكثار في رواية الحديث النبوي، وانه قد روى الآلاف من الاحاديث عن
رسول الله (ص)، واتهامه بأنه اسرف في الحديث، وهذا أمر غير صحيح، بل هو
تزوير وتدليس على هذا الصحابي الجليل الذي خدم الحديث النبوي وأخلص في
روايته، وانقطع له، وصحب رسول الله (ص)، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا
يفوته شيء من حديث رسول الله (ص)، وقد اخرج البخاري عنه انه قال: «والله
الذي لا اله الا هو ان كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر
على بطني».
لقد
كان رضي الله عنه حريصا على العلم، وشهد له النبي (ص)، فقد روى ابن كثير
في البداية والنهاية ان النبي (ص) قال له: «الا تسألني من هذه الغنائم
التي سألني أصحابك؟»: فقلت له اسألك ان تعلمني مما علمك الله.
وكان
كثير الحفظ لا ينسى، فقد دعا الله فقال: اللهم اني اسألك علما لا ينسى وقد
أمن الرسول (ص) على دعائه. وروى البخاري ومسلم، قال أبو هريرة: قلت يا
رسول الله اني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه. قال (ص): «ابسط رداءك»
فبسطته، ثم قال: ضمه الى صدرك» فضممته، فما نسيت شيئا بعد ذلك.
«وهذه
ميزة مهمة لهذا الصحابي الجليل فقد روى ابن حجر في الاصابة: أنه جاء رجل
الى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني
بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره، اذ خرج علينا
رسول الله (ص) حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت
أنا وصاحبي فجعل رسول الله (ص) يؤمن على دعائنا، دعا أبو هريرة فقال:
اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله
(ص): آمين.. فقال زيد وصاحبه: ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى...
فقال سبقكم بها الغلام الدوسي. (يعني أبا هريرة). فأبو هريرة إذن محفوف
بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية، فإذا أضفنا الى ذلك ما رواه البخاري
عن أبي هريرة في الدلالة على حبه لرسول الله (ص)، وحرصه على نوال شفاعته
الخاصة التي لا ينالها إلا الذين سبقت لهم الحسنى من الله فكانوا أسعد
الناس بهذه الشفاعة، وهم الذين تكون شفاعته (ص) بهم شفاعة تشريف وتكريم
وعلو درجات، وقرب من رسول الله (ص)، وليست شفاعة من ذنوب أو شفاعة من
كبيرة أو كبائر وقد كان جواب النبي (ص) شهادة عظيمة منه لأبي هريرة رضي
الله عنه.
والسبب
في اكثاره من الحديث وعدم نسيانه طول الصحبة، وملازمته لرسول الله (ص)
وتأمين الرسول (ص) على دعائه ودعاء الرسول له (ص). فقد روى البخاري ومسلم
عن ابي هريرة انه قال: انكم تزعمون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله
(ص) والله الموعد، اني كنت امرءا مسكينا اصحب الرسول على ملء بطني.
«ولو
حسبنا عدد أيام صحبته للنبي (ص) لوجدنا أنها تبلغ أكثر من ألف وأربعمائة
وستين يوما ولو قسمنا ما روي عنه من الأحاديث الشريفة على هذه الأيام
وجدنا أنه يروي كل يوم ما يقارب ثلاثة أحاديث ونصفا، وفي كل مائة يوم 367
حديثا أو أنه كان يحفظ مائة حديث في كل سبعة وعشرين يوما، فهل يستغرب أن
يحفظ أبو هريرة رضي الله عنه كل يوم أربعة أحاديث مع ما رأينا من قصة
الكساء، وقصة الدعاء، وما رأينا من حرصه على العلم، وحرصه على حفظ
الأحاديث الشريفة، ومع ما رأينا من انقطاعه لخدمة النبي (ص) وسماع أقواله،
وزهده في الدنيا، وعيشه مع أهل الصفة، وصبره على الجوع في سبيل ذلك.
وعندما
قمت بنفسي بالتحقق من هذه المسألة بواسطة فريق مختص في الحاسب الآلي ظهرت
لنا حقائق مهمة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبعنا رواياته وجدنا ان هناك
ما يزيد عن ثمانمائة صحابي وتابعي رووا عنه الحديث وكلهم ثقات، لكن القضية
الاساسية التي افادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي انه عندما ادخلت هذه
الاحاديث المروية في كتب الحديث الستة وجدنا ان احاديث ابي هريرة بلغت
5374، ثم وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر ان المكرر منها هو 4074
وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر 1300 وهذا العدد تتبعناه فوجدنا ان العديد
من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق ابي هريرة هذا من ناحية،
ومن ناحية اخرى وبعد ان قمنا بحذف الاحاديث التي رويت من غير طريق ابي
هريرة في كتب الصحاح الستة وجدنا ان ما انفرد به ابو هريرة ولم يروه اي
صحابي آخر هو اقل من عشرة احاديث.
ومن
هذا يظهر امانته وصدقه في رواية الحديث الشريف، ويبريء ذمته رضي الله عنه
مما اتهم به، وقد ساهم في هذه الدراسة رجال خدموا سيرة ابي هريرة ومنهم
محمد ضياء الدين الاعطى الذي قام بعمل دراسات دقيقة وبذل جهودا تستحق
التقدير وقد ساعدني في هذا الموضوع.
ثم
شاء الله ان نطور العمل في احاديث ابي هريرة فانتقلنا من الكتب الستة الى
الكتب التسعة وقد لاحظنا ان الاحاديث في الكتب التسعة المنسوبة الى ابي
هريرة هي 8960 حديثا، منها 8510 بسند متصل و450 حديثا بسند منقطع وبعد
التدقيق انتهينا الى ان الاحاديث التي رواها ابو هريرة في كل هذه الكتب
التسعة بعد حذف المكرر هي 1475 حديثا، وقد اشترك في روايتها معه عدد من
الصحابة. وعندما حذفت الاحاديث التي رويت عن طريق صحابة آخرين وصلنا الى
حقيقة مهمة وهي ان ما اتى به ابو هريرة مع المكررات في كتب الحديث التسعة
هي 253 حديثا، ثم ان الاحاديث التي انفرد بها ابو هريرة بدون تكرار ولم
يروها احد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا، وما زلنا نواصل البحث، لكن
هذه الامور وهذه الحقائق ازالت كل تلك الشبه والتهم العقيمة والمغرضة التي
كانت تلصق بأبي هريرة ويتهمونه فيها بالاكثار ويقولون عنه رضي الله عنه
انه روى 8000 حديث بمفرده.. وبعضهم يقول انه روى 5000 حديث بمفرده.. هكذا
دون روية او تدقيق او تمحيص.
ولذا
فاني استغرب من الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل كيف يطعن بمن وثقه
النبي (ص) وشهد له بالحرص على الحديث، ووثقه صحابة النبي (ص)، وقال طلحة
بن عبيد الله «أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: طلحة الخير»: لا اشك
بان ابا هريرة سمع من رسول الله (ص) ما لم نسمع، ولا نجد أحدا فيه خير
يقول على رسول الله (ص) ما لم يقل.
وشهد
له عبد الله بن عمر فيقول: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله (ص)
واحفظنا لحديثه. وحذيفة ابن اليمان يوثقه ويزكيه وينقل تزكية ابن عمر له
وقال رجل لابن عمر: ان ابا هريرة يكثر الحديث. فقال ابن عمر: أعيذك بالله
ان تكون في شك مما يجيء به، لكنه اجترأ وجبنا.
واعتمده
ابو بكر رضي الله عنه بتبليغ الحديث لما كان أميرا على الحج: ان لا يحج
بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ووثقه كثير من الصحابة ورووا عنه
وكثير من التابعين رووا عنه كذلك حتى قال البخاري: روى عنه الثمانمائة من
كبار اهل العلم من الصحابة والتابعين وكان احفظ من روى الحديث في عصره.
ولا
بد ان نعلم انه رضي الله عنه قد حرص على تدوين الحديث وكتابته في آخر
ايامه وكان يرجع اليه كلما سأله سائل، وقد روى الحاكم والامام احمد ما يدل
ان الحديث كان مكتوبا عند ابي هريرة قال ابن حجر: لا يلزم من وجود الحديث
مكتوبا عنده ان يكون بخطه فقد ثبت انه لم يكتب فتعين ان يكون المكتوب عنده
بخط غيره، وكان يرجع في آخر ايامه الى ما كتب من الحديث.
وقال
الشافعي عنه: ابو هريرة احفظ من روى الحديث في عصره، ومن هنا فاني احذر
الذين يطعنون في هذا الصحابي بأن الطعن بأبي هريرة طعن بالنبي (ص) الذي
وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على
السنة الشريفة.
وقد
حرص بعض اعداء الاسلام من الذين اثاروا الشبهة حول كثرة روايات ابي هريرة
بقصد الطعن في رواية الحديث وكان هدفهم التشكيك في السنة النبوية الشريفة
والتشكيك في الاسلام، فالذي يطعن بأبي هريرة يطعن بثمانمائة من الصحابة
وكبار العلماء من التابعين، والامر اكبر من ذلك بكثير عند اهل العلم، لانه
يستهدف السنة النبوية.
وقد
بين الامام القرطبي رضي الله عنه ان الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في
الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، بل قال بعض السلف: اجلال ابي هريرة
اجلال للنبي (ص)، واتهام ابي هريرة فيما يرويه عنه زدراء على رسول الله
(ص) وعلى ما جاء به.
وختاما
فاني اضع هذه المعلومات بين يدي القاريء الكريم حتى يتبين له الحق، ويعلم
خطأ الذين يتهمون هذا الصحابي الذي صدقه رسول الله (ص)، وقربه وصحبه ودعا
له، ولو لم يعلم فيه خيرا لما فعل كل ذلك.
والقضية
ليست قضية عاطفة وانما حقائق نضعها امام القارىء ولا املك الا ان اقول
اتقوا الله في صحابة رسول الله (ص) ولا تتجرأوا ولا تتهموا ولا تلقوا
القول على عواهنه بغير علم ولا هدى، فان الله عز وجل يقول: «ولا تقف ما
ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا».
أمانة الرواية وصدقها
عفا
الله عن رجال يتكلمون في أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه وعن روايته للحديث
فهم يغمزون ويلمزون ويتكلمون عن كثرة روايته، مع انه صحابي جليل شهد له
رسول الله (ص) بالصدق، ودعا له، وكان رجلا قد هاجر الى الله ورسوله وكان
من الزم الصحابة له وكان يدور معه حيث دار حرصا على الحديث وروايته، ويأخذ
عنه ويروي عنه بكل أمانة وصدق.
والحديث
عن صحابة رسول الله (ص) (ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه) لا بد ان يكون
بأدب وعلى علم واسس صحيحة لا يخدش صحابيا ولا يغمز بأحد منهم، لأن النبي
(ص) حذرنا من ذلك عندما قال: «الله الله في اصحابي، فلو انفق احدكم مثل
احد ذهبا ما بلغ مد حدهم ولا نصيفه» وقد لاحظت بكل أسف ان هناك احاديث
تدور عن روايته للحديث وكثرتها ولو ردها هؤلاء الى علماء الحديث ورجاله
لعلموا الحقيقة وعرفوا صدق الصحابة وأمانتهم في الرواية، لأنهم تربوا على
يد رسول الله (ص) وسمعوا منه، واخذوا عنه، وتعلموا منه أهمية الصدق، وقد
حذرهم من الكذب عليه حين قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار».
وعلينا
ان نعلم ان أبا هريرة صحابي جليل، صحب رسول الله (ص)، وكان قريبا منه، وقد
احبه رسول الله (ص)، ودعا له بالحفظ، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا،
ومن أهل الصفة، وكان حريصا على سماع الحديث من النبي (ص)، وكثيرا ما كان
يتحمل آلام الجوع حتى لا يفوته شيء من الحديث النبوي الشريف.
وقد
صحب النبي (ص) وحفظ الكثير من احاديثه، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا
دقيقا، وعرف بالصدق والايمان والتقوى، والمروءة، والاخلاق، ولهذا فإنه أمر
مؤسف ان نلاحظ بين وقت وآخر تهجم بعض المستشرقين، فقد حذا بعض من لا علم
له بالحديث حذو هؤلاء المستشرقين، وصدقوا أقوالهم في الطعن في الصحابة
الكرام، والطعن في الحديث الشريف، والتشكيك في روايته، وكثير من هؤلاء
الطاعنين من المسلمين الذين لم يدرسوا حياة هذا الصحابي الجليل دراسة
صحيحة، ولم يعرفوا حقائق ناصعة عن روايته ودقته، ولهذا فقد أخذوا بكل أسف
يغمزون ويلمزون، وهذا أمر خطير لأن رسول الله (ص) قال: «من آذى اصحابي فقد
آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله... الحديث» ومن هنا فإننا نلاحظ ان بعض
هؤلاء الطاعنين قد اسرفوا على أنفسهم وعمدوا الى اتهام أبي هريرة رضي الله
عنه بالاكثار في رواية الحديث النبوي، وانه قد روى الآلاف من الاحاديث عن
رسول الله (ص)، واتهامه بأنه اسرف في الحديث، وهذا أمر غير صحيح، بل هو
تزوير وتدليس على هذا الصحابي الجليل الذي خدم الحديث النبوي وأخلص في
روايته، وانقطع له، وصحب رسول الله (ص)، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا
يفوته شيء من حديث رسول الله (ص)، وقد اخرج البخاري عنه انه قال: «والله
الذي لا اله الا هو ان كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر
على بطني».
لقد
كان رضي الله عنه حريصا على العلم، وشهد له النبي (ص)، فقد روى ابن كثير
في البداية والنهاية ان النبي (ص) قال له: «الا تسألني من هذه الغنائم
التي سألني أصحابك؟»: فقلت له اسألك ان تعلمني مما علمك الله.
وكان
كثير الحفظ لا ينسى، فقد دعا الله فقال: اللهم اني اسألك علما لا ينسى وقد
أمن الرسول (ص) على دعائه. وروى البخاري ومسلم، قال أبو هريرة: قلت يا
رسول الله اني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه. قال (ص): «ابسط رداءك»
فبسطته، ثم قال: ضمه الى صدرك» فضممته، فما نسيت شيئا بعد ذلك.
«وهذه
ميزة مهمة لهذا الصحابي الجليل فقد روى ابن حجر في الاصابة: أنه جاء رجل
الى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني
بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره، اذ خرج علينا
رسول الله (ص) حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت
أنا وصاحبي فجعل رسول الله (ص) يؤمن على دعائنا، دعا أبو هريرة فقال:
اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله
(ص): آمين.. فقال زيد وصاحبه: ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى...
فقال سبقكم بها الغلام الدوسي. (يعني أبا هريرة). فأبو هريرة إذن محفوف
بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية، فإذا أضفنا الى ذلك ما رواه البخاري
عن أبي هريرة في الدلالة على حبه لرسول الله (ص)، وحرصه على نوال شفاعته
الخاصة التي لا ينالها إلا الذين سبقت لهم الحسنى من الله فكانوا أسعد
الناس بهذه الشفاعة، وهم الذين تكون شفاعته (ص) بهم شفاعة تشريف وتكريم
وعلو درجات، وقرب من رسول الله (ص)، وليست شفاعة من ذنوب أو شفاعة من
كبيرة أو كبائر وقد كان جواب النبي (ص) شهادة عظيمة منه لأبي هريرة رضي
الله عنه.
والسبب
في اكثاره من الحديث وعدم نسيانه طول الصحبة، وملازمته لرسول الله (ص)
وتأمين الرسول (ص) على دعائه ودعاء الرسول له (ص). فقد روى البخاري ومسلم
عن ابي هريرة انه قال: انكم تزعمون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله
(ص) والله الموعد، اني كنت امرءا مسكينا اصحب الرسول على ملء بطني.
«ولو
حسبنا عدد أيام صحبته للنبي (ص) لوجدنا أنها تبلغ أكثر من ألف وأربعمائة
وستين يوما ولو قسمنا ما روي عنه من الأحاديث الشريفة على هذه الأيام
وجدنا أنه يروي كل يوم ما يقارب ثلاثة أحاديث ونصفا، وفي كل مائة يوم 367
حديثا أو أنه كان يحفظ مائة حديث في كل سبعة وعشرين يوما، فهل يستغرب أن
يحفظ أبو هريرة رضي الله عنه كل يوم أربعة أحاديث مع ما رأينا من قصة
الكساء، وقصة الدعاء، وما رأينا من حرصه على العلم، وحرصه على حفظ
الأحاديث الشريفة، ومع ما رأينا من انقطاعه لخدمة النبي (ص) وسماع أقواله،
وزهده في الدنيا، وعيشه مع أهل الصفة، وصبره على الجوع في سبيل ذلك.
وعندما
قمت بنفسي بالتحقق من هذه المسألة بواسطة فريق مختص في الحاسب الآلي ظهرت
لنا حقائق مهمة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبعنا رواياته وجدنا ان هناك
ما يزيد عن ثمانمائة صحابي وتابعي رووا عنه الحديث وكلهم ثقات، لكن القضية
الاساسية التي افادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي انه عندما ادخلت هذه
الاحاديث المروية في كتب الحديث الستة وجدنا ان احاديث ابي هريرة بلغت
5374، ثم وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر ان المكرر منها هو 4074
وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر 1300 وهذا العدد تتبعناه فوجدنا ان العديد
من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق ابي هريرة هذا من ناحية،
ومن ناحية اخرى وبعد ان قمنا بحذف الاحاديث التي رويت من غير طريق ابي
هريرة في كتب الصحاح الستة وجدنا ان ما انفرد به ابو هريرة ولم يروه اي
صحابي آخر هو اقل من عشرة احاديث.
ومن
هذا يظهر امانته وصدقه في رواية الحديث الشريف، ويبريء ذمته رضي الله عنه
مما اتهم به، وقد ساهم في هذه الدراسة رجال خدموا سيرة ابي هريرة ومنهم
محمد ضياء الدين الاعطى الذي قام بعمل دراسات دقيقة وبذل جهودا تستحق
التقدير وقد ساعدني في هذا الموضوع.
ثم
شاء الله ان نطور العمل في احاديث ابي هريرة فانتقلنا من الكتب الستة الى
الكتب التسعة وقد لاحظنا ان الاحاديث في الكتب التسعة المنسوبة الى ابي
هريرة هي 8960 حديثا، منها 8510 بسند متصل و450 حديثا بسند منقطع وبعد
التدقيق انتهينا الى ان الاحاديث التي رواها ابو هريرة في كل هذه الكتب
التسعة بعد حذف المكرر هي 1475 حديثا، وقد اشترك في روايتها معه عدد من
الصحابة. وعندما حذفت الاحاديث التي رويت عن طريق صحابة آخرين وصلنا الى
حقيقة مهمة وهي ان ما اتى به ابو هريرة مع المكررات في كتب الحديث التسعة
هي 253 حديثا، ثم ان الاحاديث التي انفرد بها ابو هريرة بدون تكرار ولم
يروها احد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا، وما زلنا نواصل البحث، لكن
هذه الامور وهذه الحقائق ازالت كل تلك الشبه والتهم العقيمة والمغرضة التي
كانت تلصق بأبي هريرة ويتهمونه فيها بالاكثار ويقولون عنه رضي الله عنه
انه روى 8000 حديث بمفرده.. وبعضهم يقول انه روى 5000 حديث بمفرده.. هكذا
دون روية او تدقيق او تمحيص.
ولذا
فاني استغرب من الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل كيف يطعن بمن وثقه
النبي (ص) وشهد له بالحرص على الحديث، ووثقه صحابة النبي (ص)، وقال طلحة
بن عبيد الله «أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: طلحة الخير»: لا اشك
بان ابا هريرة سمع من رسول الله (ص) ما لم نسمع، ولا نجد أحدا فيه خير
يقول على رسول الله (ص) ما لم يقل.
وشهد
له عبد الله بن عمر فيقول: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله (ص)
واحفظنا لحديثه. وحذيفة ابن اليمان يوثقه ويزكيه وينقل تزكية ابن عمر له
وقال رجل لابن عمر: ان ابا هريرة يكثر الحديث. فقال ابن عمر: أعيذك بالله
ان تكون في شك مما يجيء به، لكنه اجترأ وجبنا.
واعتمده
ابو بكر رضي الله عنه بتبليغ الحديث لما كان أميرا على الحج: ان لا يحج
بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ووثقه كثير من الصحابة ورووا عنه
وكثير من التابعين رووا عنه كذلك حتى قال البخاري: روى عنه الثمانمائة من
كبار اهل العلم من الصحابة والتابعين وكان احفظ من روى الحديث في عصره.
ولا
بد ان نعلم انه رضي الله عنه قد حرص على تدوين الحديث وكتابته في آخر
ايامه وكان يرجع اليه كلما سأله سائل، وقد روى الحاكم والامام احمد ما يدل
ان الحديث كان مكتوبا عند ابي هريرة قال ابن حجر: لا يلزم من وجود الحديث
مكتوبا عنده ان يكون بخطه فقد ثبت انه لم يكتب فتعين ان يكون المكتوب عنده
بخط غيره، وكان يرجع في آخر ايامه الى ما كتب من الحديث.
وقال
الشافعي عنه: ابو هريرة احفظ من روى الحديث في عصره، ومن هنا فاني احذر
الذين يطعنون في هذا الصحابي بأن الطعن بأبي هريرة طعن بالنبي (ص) الذي
وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على
السنة الشريفة.
وقد
حرص بعض اعداء الاسلام من الذين اثاروا الشبهة حول كثرة روايات ابي هريرة
بقصد الطعن في رواية الحديث وكان هدفهم التشكيك في السنة النبوية الشريفة
والتشكيك في الاسلام، فالذي يطعن بأبي هريرة يطعن بثمانمائة من الصحابة
وكبار العلماء من التابعين، والامر اكبر من ذلك بكثير عند اهل العلم، لانه
يستهدف السنة النبوية.
وقد
بين الامام القرطبي رضي الله عنه ان الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في
الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، بل قال بعض السلف: اجلال ابي هريرة
اجلال للنبي (ص)، واتهام ابي هريرة فيما يرويه عنه زدراء على رسول الله
(ص) وعلى ما جاء به.
وختاما
فاني اضع هذه المعلومات بين يدي القاريء الكريم حتى يتبين له الحق، ويعلم
خطأ الذين يتهمون هذا الصحابي الذي صدقه رسول الله (ص)، وقربه وصحبه ودعا
له، ولو لم يعلم فيه خيرا لما فعل كل ذلك.
والقضية
ليست قضية عاطفة وانما حقائق نضعها امام القارىء ولا املك الا ان اقول
اتقوا الله في صحابة رسول الله (ص) ولا تتجرأوا ولا تتهموا ولا تلقوا
القول على عواهنه بغير علم ولا هدى، فان الله عز وجل يقول: «ولا تقف ما
ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا».
إسلام أبو هريرة
قال الدكتور مصطفى السباعي في كتابه «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي»
(ص359):
«قدمنا أن أبا هريرة أسلم سنة سبع من
الهجرة في غزوة خيبر، ونزيد الآن أننا نرجح أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن
طويل، ولكن هجرته إلى رسول الله إنما كانت في تلك
السنة، وإنما رجحنا ذلك لدليلين:
الأول: ما ذكره ابن حجر في الإصابة من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه
أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه ـ رهط أبي هريرة ـ دعاهم إلى
الإسلام فلم يجبه إلا أبوه، وأبو هريرة. وهذا صريح في أن إسلام أبي هريرة
قد تم قبل قدومه إلى الرسول في غزوة خيبر بسنوات.
الثاني: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أن المشادة التي جرت بين أبي
هريرة وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح خيبر، فقد طلب
أبان من الرسول أن يقسم له من
الغنائم، فقال أبو هريرة: لا تقسم له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل ـ
وهو النعمان بن مالك بن ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم ـ وذلك في معركة أحد إذ
كان أبان لا يزال مشركاً فقتل ابن قوقل.
من هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى رسول الله لم يكن حديث عهد
بالإسلام، بل كان متتبعاً لمعاركه وأحداثه بحيث يعلم أن أبان بن سعيد بن
العاص هو الذي قتل ابن قوقل بوم أحد، وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر».
آراء العلماء في وقت إسلام أبي هريرة:
* الفريق الأول وهم الأكثرون: قالوا بأنه أسلم سنة سبع، وهذه بعض النقول
عنهم:
- جاء في «تاريخ خليفة بن خياط»: «وفيها ـ أي السنة السابعة ـ أسلم أبو
هريرة وعمران بن حصين زمان خيبر».
- قال أبو داود في الصلاة، باب: السجود في إذا السماء انشقت واقرأ، عقب
حديث برقم (1407): «أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَنَةَ سِتٍّ عَامَ
خَيْبَرَ، وَهَذَا السُّجُودُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ آخِرُ فِعْلِهِ».
- وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (1/374): «أسلم أبو هريرة وعمران بن
حصين عام خيبر».
- وقال الخطابي في «غريب الحديث» (2/485): «أسلم أبو هريرة سنة سبع قدم
المدينة ورسول الله بخيبر».
- وقال أبو نعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (14/135): «وأسلم أبو هريرة
عام خيبر أول سنة سبع، ورواه جماعة عن محمد بن إسحاق، ورواه أيضا محمد بن
عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة».
- وقال البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (3/195): «وإنما أسلم أبو هريرة
في غزوة خيبر».
- وقال ابن الأثير في «أسد الغابة» (3/258): «وأسلم أبو هريرة عام خيبر،
وشهدها مع رسول الله ثم لزمه».
- وقال النووي في «شرح مسلم» و«المجموع» و«الروضة» و«تهذيب الأسماء
واللغات»: «وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف».
- وقال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (20/366): «وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو
هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ».
* الفريق الثاني: قالوا بأنه أسلم قبل ذلك.
- قال ابن حبان في صحيحه (11/187): « أسلم أبو هريرة بدوس، فقدم المدينة
ورسول الله خارج نحو خيبر
وعلى المدينة سباع بن عرفطة الغفاري استخلفه رسول الله ، فصلى أبو هريرة
مع سباع، وسمعه يقرأ: { ويل للمطففين }، ثم لحق المصطفى إلى خيبر، فشهد
خيبر مع النبي ».
- قال ابن حجر في «فتح الباري» (8/102): بعد أن ذكر قصة إسلام الطفيل:
«وفيها أنه دعا قومه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه وأجابه أبو هريرة
وحده، قلت: وهذا يدل على تقدم إسلامه».
- قال الأعظمي في تعليقه على «صحيح ابن خزيمة» (1/280): «أسلم أبو هريرة
قبل الهجرة إلى المدينة بسنوات، لكنه هاجر بزمن خيبر، انظر ترجمة الطفيل
ابن عمرو الدوسي في الاستيعاب والإصابة».
- وذكر الدكتور محمد عجاج الخطيب في «أبو هريرة راوية الإسلام» (ص70): أن
أبا هريرة أسلم قديماً وهو بأرض قومه على يد الطفيل بن عمرو، وكان ذلك قبل
الهجرة النبوية.
- وكذا ذكر الأستاذ عبد المنعم العلي في « دفاع عن أبي هريرة» (ص25) أن
إسلامه كان بدعوة الطفيل بن عمرو.
من أدلة الفريق الثاني:
* قال ابن حجر في «الإصابة» (3/522): «وروى الطبري من طريق بن الكلبي قال:
سبب تسمية الطفيل بذي النور أنه لما وفد على النبي فدعا لقومه قال
له: ابعثني إليهم واجعل لي آية، فقال: اللهم نور له، فسطع نور بين عينيه،
فقال: يا رب أخاف أن يقولوا مثله، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء له في
الليلة المظلمة.
وذكر أبو الفرج الأصبهاني من طريق بن الكلبي أيضا: أن الطفيل لما قدم مكة
ذكر له ناس من قريش أمر النبي وسألوه أن يختبر
حاله فأتاه فأنشده من شعره فتلا النبي الإخلاص
والمعوذتين فأسلم في الحال، وعاد إلى قومه، وذكر قصة سوطه ونوره قال: فدعا
أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة
وحده ...».
* قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/237): «أخبرنا محمد بن عمر، قال:
حدثني عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي، وكان له حلف في
قريش قال: كان الطفيل بن عمرو الدوسي رجلا شريفا شاعرا كثير الضيافة، فقدم
مكة ورسول الله بها ... فغدوت إلى
المسجد وقد حشوت أذني كرسفا ... فأسلمت وشهدت شهادة الحق، فقلت: يا نبي
الله إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون
لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم اجعل له آية ... ثم دعوت
دوسا إلى الإسلام فأبطأوا علي ... فقال لي رسول الله : اخرج إلى قومك
فادعهم وارفق بهم، فخرجت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوها حتى هاجر رسول الله
إلى المدينة،
ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله بمن أسلم من قومي
ورسول الله بخيبر حتى نزلت
المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس ...».
- يتبين من هذا أن إسلام أبي هريرة قديم، وأنه كان قبل الهجرة وهو بأرض
قومه، وأسلم على يد الطفيل بن عمرو الدوسي.
- ويؤيد ذلك رواية هجرته إلى المدينة حيث يظهر منها أنه دخلها مسلماً، قال
أبو هريرة :
«خرج النبي إلى خيبر، وقدمتُ
المدينة مهاجراً، فصليتُ الصبح خلف سباع بن عرفطة فقرأ في السجدة الأولى
بسورة مريم، وفي الآخرة (ويل للمطففين)، فقلت : ويل لأبي - وفي رواية - ويل
لأبي فلان، قَلَّ رجلٌ كان بأرض الأزد إلا وكان له مكيالان مكيال لنفسه
وآخر يبخس به الناس»( ).
- فدلت الرواية انه كان مسلماً حتى صلى معهم صلاة الصبح رضي الله عنه.
الخلاصة:
• روايات إسلام الطفيل لا تخلو من نقد، لكنها تعضد بعضها بعضاً، مما يشعر
بأن إسلام أبي هريرة إنما كان قبل الهجرة بسنوات، وأنه أسلم على يدي
الطفيل، ومما لا شك فيه أن إسلام الطفيل كان قديماً قبل الهجرة.
• لم أجد ما يشهد للقول الأول من نص صريح، والمصرح به أن أبا هريرة أتى
المدينة مهاجراً عام خيبر، والظاهر أن القائلين بهذا القول جعلوا سنة قدومه
هي سنة إسلامه نفسها، لكن بلا دليل على ذلك، وأرى أنهم تتابعوا عليه نقلاً
دونما تحقيق، ولعل أول من نص على ذلك خليفة بن خياط فيما وقفت عليه.
حياته
أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم
بن غنم ابن دوس اليماني ، فهو دوسي نسبة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن
زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر وهو سنوءة ابن
الأزد ، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنسب إلى الأزد ابن الغوث بن
نبت بن مالك بن كهلان من العرب القحطانية ’الراجح عند العلماء أن اسمه في
الجاهلية ’ عبد شمس فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عبد الرحمن ، لأنه لايجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء
، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا ،
وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب اشتهر أبو هريرة بكنيته ، وبها عرف
حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى .
أخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنما كنّوني بأبي هريرة لأني
كنت أرعى غنما لأهلي ، فوجدت أولاد هرة وحشية ، فجعلتها في كمي ، فلما رجعت
إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري ، فقالوا: ما هذا يا عبد شمس ’ فقلت :
أولاد هرة وجدتها ، قالوا : فأنت أبوهريرة ، فلزمني بعد
وأخرج الترمذي عنه قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة ، فكنت
أضعها بالليل في الشجرة ، فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني
بأبي هريرة لكن يقول أبو هريرة رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يدعوني : أبا هرٍ ، ويدعوني الناس: أبا هريرة و’ لذلك يقول:
لأن تكنونني بالذكر أحب إلي من أن تكنونني بالأنثى
اسلامه وصحبته:
المشهور أنه أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك
نحواً من ثلاثين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
حين رجوعه من خيبر وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه
حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام .
حفظه وقوة ذاكرته :
كان من أثر ملازمة أبي هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ،
ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم ، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما
نسي حديثاً بعده قط .هذه القصة ’ قصة بسط الثوب ’ أخرجها أئمة الحديث
كالبخاري ومسلم وأحمد ، والنسائي ، وأبي يعلى،وأبي نعيم .
ثناء الله تعالى والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين رضي
الله عنهم وأهل العلم عليه
أكرم الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل
والعدالة ، منها ما نزل في صحابي واحد أو في أصحاب مشهد معين مع الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم ،كرضوانه عن الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية ،
ومنها ما نزل فيهم عامة ودخل تحت ظلها كل صحابي ، وكذلك أكرم الرسول صلى
الله عليه وآله وسلم أصحابه رضي الله عنهم بمثل ذلك من الاستغفار وإعلان
الفضل والعدالة لبعضهم أو لطبقة منهم أو لهم عامة .
فمن الآيات العامة الشاملة قوله عزوجل :{ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [
الفتح /29] ، ومن آخر الآيات نزولاً قوله { لَقَد تابَ اللهُ عَلَى
النَّبِىِّ وَالْمهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهٌ فِىِ
سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنهُو بهَمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة/117
فأبو هريرة واحد من الصحابة رضي الله عنهم ينال أجر الصحبة المطلقة ، ويكسب
العدالة التي لحقت بهم جميعاً وأثبتتها آيات القرآن الكريم السابقة . وهو
ينال شرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينال أجر الهجرة إلى الله
ورسوله ، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجر حفظ
حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبليغه
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :والذي نفس محمد بيده ، لقد ظننت
أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي ، لما رأيت من حرصك على العلم وفي رواية
قال : لقد ظننت لايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ،لما رأيت من حرصك على
الحديث ’ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أبو هريرة وعاء من العلم
قال زيد بن ثابت : فقلنا : يارسول الله، ونحن نسأل الله علما لاينسى فقال:
سبقكم بها الغلام الدوسي ’
جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه في مسألة ، فقال ابن عباس لأبي هريرة
رضي الله عنه : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة ’ قال الشافعي : أبو
هريرة رضي الله عنه أحفظ من روى الحديث في دهره ’ وقال البخاري : روى عنه
نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره .
وقال الذهبي : الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، أبو هريرة رضي الله عنه الدوسي اليماني ، سيد الحفاظ
الأثبات .
وقال في موضع آخر : أبو هريرة رضي الله عنه إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأدائه بحروفه وقال أيضاً: كان أبو هريرة
رضي الله عنه وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث وقال أيضاً : هو
رأس في القرآن ، وفي السنة ، وفي الفقه ’ وقال : أين مثل أبي هريرة رضي
الله عنه في حفظه وسعة علمه
الصحابة الذين روى عنه :
روى عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي
ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة رضي الله عنهم ’ وأما الصحابة الذين رووا
عنه : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ،
وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم ’ التابعون
الذين رووا عنه هم ومن التابعين سعيد بن المسيب وكان زوج ابنته، وعبدالله
بن ثعلبة ، وعروة ابن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن
يسار، وعراك بن مالك ، وسالم بن عبدالله بن عمر، وأبو سلمة وحميد ابنا
عبدالرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار رضي
الله عنهم وكثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم
والفقه ’ عدة ما روي عنه من الحديث ’ أخرج أحاديثه جمع من الحفاظ من أصحاب
المسانيد ، والصحاح ، والسنن ، والمعاجم ، والمصنفات ، وما من كتاب معتمد
في الحديث ، إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة رضي الله عنه ’
وتتناول أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ،
والجهاد ، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات
، والرقاق ، والذكر والتسبيح ’ وغير ذلك .
روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (3848 ) حديثاً وفيها مكرّر كثير
باللفظ والمعنى ، ويصفو له بعد حذف المكرّر خير كثير.
وروى له الإمام بقى بن مخلد ( 201 - 276 ه ) في مسنده ( 5374 ) خمسة آلاف
حديث ، وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً .
وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه( 2218 ) ألفي حديث،
ومائتين وثمانية عشر حديثاً مما اتفقوا عليه وانفردوا به (3) ، له في
الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق الشيخان : الإمام البخاري ،
والإمام مسلم عن (326) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها، وانفرد الإمام
البخاري ب( 93) بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم ب(190) بتسعين ومائة حديث
أصح الطرق عن أبي هريرة :
أصح أسانيد أبي هريرة في رأي البخاري ماروي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة
وأصح حديث ابي هريرة في رأي الإمام أحمد مارواه محمد بن سيرين ثم مارواه
سعيد بن المسيب ’ أما عند الإمام علي بن المديني فهم ستة ’ ابن المسيب ،
وأبوسلمة ، والأعرج، وأبو صالح ، وابن سيرين ، وطاوس ’ وهم ستة أيضاً عند
ابن معين: قال أبوداود : سألت ابن معين: من كان الثبت في أبي هريرة فقال:
ابن المسيب وأبوصالح ، وابن سيرين ، والمقبري ، والأعرج ، وأبو رافع ،
وأربعة منهم وافق ابن المديني عليهم ، واستثنى أبا سلمة وطاوس ، وأبدلهما
بالمقبري وابي رافع ’وقد أحصى أحمد محمد شاكر ، وذكر أصح أسانيد أبي هريرة
ومجموع من ذكرهم ستة : مالك وابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب
عنه ، ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، وحماد بن زيد عن ايوب عن محمد
بن سيرين عنه، ومعمر عن همام بن منبه عنه ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
عنه واسماعيل ابن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عنه ’ كثرة حديثه
وأسبابها
كان أبو هريرة رضي الله عنه يبين أسباب كثرة حديثه فيقول : إنكم لتقولون
أكثر أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والله الموعد ، ويقولون :
ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه
الأحاديث ، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها ،
وإني كنت امرءاً مسكيناً ’ ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملء
بطني ’ وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ،
وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا يوماً فقال: من يبسط ثوبه حتى
أفرغ فيه من حديثي ، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئاً سمعه مني أبداً ’ فبسطت
ثوبي - أو قال نمرتي - فحدثني ثم قبضته إلىّ ، فوالله ما كنت نسيت شيئاً
سمعته منه وكان يقول: وأيم الله’ لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء
أبداً، ثم يتلوا: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فىِ
الْكِتَبِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ }.
وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، من ذلك ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال:
من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة ’ وعنه أيضاً ومن كذب
علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار’ متفق عليه .
وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة سماعه
وأخذه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الشهادات تدفع كل ريب
أو ظن حول كثرة حديثه ، حتى إن بعض الصحابة رضي الله عنهم رووا عنه لأنه
سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا ، ومن هذا أن رجلا جاء إلى طلحة ابن عبيد
الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني’ يعني أبا هريرة - أهو أعلم
بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ’ نسمع منه أشياء لا نسمعها
منكم ، أم هو يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل قال :
أما أن يكون سمع ما لم نسمع ، فلا أشك ، سأحدثك عن ذلك : إنا كنا أهل
بيوتات وغنم وعمل ، كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرفى
النهار ، وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يده مع يده ، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ، ولا تجد أحداً فيه خير يقول عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل وقال في رواية ’ قد سمعنا كما
سمع ، ولكنه حفظ ونسينا وروى أشعث بن سليم عن أبيه قال : سمعت أبا أيوب
الأنصاري ’ يحدّث عن أبي هريرة فقيل له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وتحدّث عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما
لم نسمع ، وإني أن أحدث عنه أحبّ إليّ من أن أحدث عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم - يعني ما لم أسمعه منه
ثم إن جرأة أبى هريرة رضي الله عنه في سؤال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أتاحت له أن يعرف كثيراً مما لم يعرفه أصحابه ، فكان لا يتأخر عن أن يسأله
عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره لا يفعل ذلك ، قال أٌبي بن كعب ’ كان أبو
هريرة رضي الله عنه جريئاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن
أشياء لا نسأله عنها كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام ، فكان
لا يتأخر عن طلب العلم ، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم ، وبعد وفاته وهو الذي يروى عنه ’ من يرد الله به خيراً يفقهه في
الدين وقد رأينا أبا هريرة رضي الله عنه يحب الخير ويعمل من أجله ، فما
أظنه يتأخر عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها
مرضه ووفاته :
لما حضرته المنية رضي الله عنه قال: لاتضربوا علي فسطاطاً ، ولاتتبعوني
بنار وأسرعوا بي إسراعاً ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يقول : إذا وضع الرجل الصالح ’ أو المؤمن ’ على سريره قال: قدموني، وإذا
وضع الرجل الكافر ’ أو الفاجر - على سريره ، قال ياويلي أين تذهبون بي ’
وكانت وفاته في السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين عام (58 هـ
الرد على الشبهات التي أثارها أهل البدع والمخالفين حول أبي هريرة ورواياته
ذلكم أبو هريرة رضي الله عنه الذي عرفناه قبل إسلامه وبعد إسلامه ، عرفناه
في هجرته وصحبته للرسول الكريم ، فكان الصاحب الأمين والطالب المجد ، يدور
مع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في حلّه وترحاله ، ويشاركه
أفراحه وأحزانه،وعرفنا التزامه للسنة المطهرة، وتقواه وورعه ، في شبابه
وهرمه وعرفنا مكانته العلمية ، وكثرة حديثه ، وقوة حافظته ، ورأينا منزلته
بين أصحابه ، وثناء العلماء عليه
ذلكم أبو هريرة رضي الله عنه الذي صوّره لنا التاريخ من خلال البحث الدقيق
خلال سنوات قليلة حصل من العلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم
يحصله أحد من الصحابة جميعًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوجهه كثيرًا،
فعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أباهريرة كن ورعا تكن أعبد
الناس".
يقول أبو هريرة في :
| "أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم , فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله, قال: (الحق). ومضى فاتبعته، فدخل، فأستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقالمن أين هذا اللبن). قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر). قلت : لبيك يا رسول الله, قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي). قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: (يا أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (خذ فأعطهم). قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يرتوي، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: (أبا هر). قلت: لبيك يا رسول الله، قال: (بقيت أنا وأنت). قلت: صدقت يا رسول الله، قال: (اقعد فاشرب). فجلست فشربت، فقال: (اشرب). فشربت، فما زال يقول: (اشرب). حتى قلت : لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: (فأرني). فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6452 خلاصة الدرجة: [صحيح]". | |
روي عن أبو هريرة في :
| "أنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } فقال: وجبت. فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: الجنة. فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله، ثم ذهبت إلى الرجل، فوجدته قد ذهب. الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1478 خلاصة الدرجة: صحيح". | |
روي عن أبو هريرة في :
| "عن أبي عثمان النهدي تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا الراوي: أبو عثمان النهدي المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الإصابة - الصفحة أو الرقم: 4/209 خلاصة الدرجة: إسناده صحيح". |
إسلام أم أبي هريرة
رضي الله عنها دروس وعبر
أخرج الامام مسلم من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ
مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ
فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا
أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى
الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ
فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ
قَالَ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا
فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَبْشِرْ قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا
وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ
حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى
عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا
خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي.
رواه مسلم ( 12/286)
* غريب الحديث :
§مجاف : أي مغلق .
§خشف قدمي :صوتهما في الأرض .
§خضخضة الماء : صوت تحريكه .
· اضاءات الحديث :
1. حرص أبي هريرة رضي الله عنه الشديد على هداية أمه جعلته يتقلب بين
بكاءين متناقضين أحدهما من الهم والحزن الذي أصابه وهو يسمع من أمه ما يكره
في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والآخر بكاء من الفرح بعد هداية أمه
رضي الله عنها ونطقها بالشهادتين.
2. رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة وبأمه جعلته يبادر بتلبية طلب
أبي هريرة رضي الله عنه بالدعاء لأم هريرة.
3. في المقاييس البشرية غالباً ماتبادل الإساءة بمثلها ، وأم أبي هريرة
قالت في النبي صلى الله عليه وسلم ما يكره لكن الرحمة النبوية على صاحبها
أفضل صلاة وأتم تسليم جعلته صلى الله عليه وسلم يبادل هذه الإساءة بالدعاء
لها بالهداية فلا تشفي ولاحقد ولا ضغينة وحاشاه صلى الله عليه وسلم .
4. أعاد النبي صلى الله عليه وسلم فضل هداية أم أبي هريرة إلى الله سبحانه
فهو جل جلاله الهادي ، وقد قال في محكم التنزيل {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ }القصص
56 .
جهاد أبي هريرة رضي الله عنه:
أبا هريرة رضي الله عنه لم يكن يتخلف عن الجهاد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يتخلف منذ قدم على النبي صلى الله
عليه وسلم عن الخروج معه للجهاد أبداً، وكذلك ظل مجاهداً طيلة حياته، وقد
صحح ابن حبان [3]عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان في الرباط،
ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة رضي الله عنه
واقف، فمر به إنسان، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: «مَوْقِفُ
سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ
الحَجَرِ الْأَسْوَدِ».
ولا ريب أن هذا
الموقف ليس موقف المتسكعين الذين لا تشغلهم إلا اللقمة التي تملأ بطونهم،
بل هو موقف أصحاب العزائم الذين يدركون أن لهم رسالة عظيمة ولحياتهم قيمة
سامية.
الخميس نوفمبر 19, 2015 7:22 am من طرف raniaa20
» القران الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
الخميس أغسطس 29, 2013 10:27 am من طرف yasser taie
» الكفارة الواجبة على من جامع أهله في نهار رمضان
الأحد يناير 13, 2013 11:07 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ما حكم بيع الكلاب وشرائها
السبت يناير 12, 2013 4:01 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» انا خــــايفه،، ده مش مجرد عنوان يشدكم لاء بجد انا خايفه جدا
الجمعة يناير 11, 2013 6:54 am من طرف bebo96
» تفسير الأحلام لابن سيرين
الجمعة يناير 04, 2013 8:02 pm من طرف قرآنى يا خير كتاب
» الدعاء عند الذهاب الى المسجد وعند دخولهو والخروج منه
الأربعاء يناير 02, 2013 2:36 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» دعاء القنوت
الأربعاء يناير 02, 2013 2:24 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ادعية من القرآن الكريم
الأربعاء يناير 02, 2013 2:18 am من طرف قرآنى يا خير كتاب