عدل
النبي صلى الله عليه وسلم
في ظلّ الأجواء القاتمة التي سادت
الجزيرة العربية ، وانتشار صور العدوان وألوان الظلم التي مورست ضد الضعفاء
والمساكين ، جاءت الشريعة الخاتمة لتخرج الناس من جور الأديان إلى عدالة
الإسلام ، وأنزل الله خير كتبه وبعث خير رسله ليقيم العدل ويُرسي دعائم
الحق ، لتعود الحقوق إلى أصحابها ، ويشعر الناس بالأمن والأمان ، وبهذا
أُمر النبي – صلى الله عليه وسلم – : { وأمرت لأعدل
بينكم } ( الشورى : 15 ) .
فكان العدل من الأخلاق النبويّة والشمائل
المحمديّة التي اتّصف بها – صلى الله عليه وسلم – ونشأ عليها ، عدلٌ وسع
القريب والبعيد ، والصديق والعدوّ ، والمؤمن والكافر ، عدلٌ يزن بالحقّ
ويقيم القسط ، بل ويحفظ حقوق البهائم والحيوانات ، إلى درجة أن يطلب من
الآخرين أن يقتصّوا منه خشية أن يكون قد لحقهم حيفٌ أو أذى ، وهو أبلغ ما
يكون من صور العدل.
وبين يدينا موقفٌ من المواقف التي تشهد
بعظمته – صلى الله عليه وسلم - ، فعن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكبّ عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعرجون – وهو عود النخل - كان معه ، فخرج الرجل ، فقال له رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - : ( تعال فاستقد – أي اقتصّ مني - )
، فقال الرجل : قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي
.
ومن داخل بيت النبوّة تبرز صورٌ أخرى
للعدالة النبوية ، خصوصاً مع وجود الخلاف الطبيعي والغيرة المعروفة بين
الضرائر ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال : " أهدت بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - إليه طعاما في قصعة ،
فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها ،
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( طعام بطعام ،
وإناء بإناء) رواه الترمذي ، وأصله
في البخاري .
ومن صور عدله – صلى الله عليه وسلم – العدل
بين زوجاته حينما قام بتقسيم الأيّام بينهنّ ، وكان يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك
يعني القلب ) رواه أبو داوود ، كذلك
كان عليه الصلاة والسلام إذا عقد العزم على السفر والمسير اختار من تذهب
معه بالقرعة ، كما تروي ذلك عائشة رضي الله
عنها : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع
بين نسائه ، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها " متفق عليه ، يقول الإمام المناوي معلّقاً : " ( أقرع بين نسائه ) تطييبا
لنفوسهن ، وحذرا من الترجيح بلا مرجّح عملاً بالعدل " .
وفي ظلال المنهج العادل للنبي – صلى الله
عليه وسلم – عادت الحقوق إلى أصحابها وعلم كل امرئ ما له وما عليه ، وشعر
الناس – مسلمهم وكافرهم – بنزاهة القضاء وعدالة الأحكام ، بعد أن وضع – صلى
الله عليه وسلم – نظاماً رفيعاً وسنّة ماضية تقيم الحقّ وتقضي بالعدل ،
منهجٌ فيه النصرة للمظلوم ، والقهر للظالم الغشوم ، فلا الفقير يخشى من
فوات حقّه ، ولا الغني يطمع في الحصول على ما ليس له ، ولا الشافعون يطمعون
في درء حدٍّ من حدود الله تعالى ، ويشهد النبي – صلى الله عليه وسلم –
بذلك فيقول ( ومن يعدل إن لم أعدل ؟ قد خبت وخسرت إن
لم أعدل ) متفق عليه واللفظ لمسلم .
ففي قصّة المرأة المخزومية التي سرقت ،
استعان أهلها بأسامة بن زيد كي يشفع لهم عند
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يقبل شفاعته ، وقال كلمة خلّدها
التاريخ : ( أيها الناس ، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ،
وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت
لقطعت يدها) متفق عليه .
وفي يوم بدرٍ أغلى النبي – صلى الله عليه
وسلم - فداء عمّه العباس بن عبدالمطلب حتى
بلغ مائة أوقية ، ولم يقبل أن يتنازل الأنصار عنه شيئاً ؛ حتى لا يظنّ ظانّ
أن القرابة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تنفع صاحبها.
وعندما أراد النعمان
بن بشير رضي الله عنه أن يُشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
على هبةٍ لأحد أولاده قال له : ( يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ ) فقال له : نعم ،
فقال له : ( أكلهم وهبت له مثل هذا ) ، قال :
لا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم – : ( فلا
تُشهدني إذاً ؛ فإني لا أشهد على جور ) رواه
مسلم .
وخوفاً من تفويت حقوق البعض – لاسيما في
القضاء – يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنكم
تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض – أي : أقدر على إظهار حجّته -
، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فلا
يأخذها ) متفق عليه .
ويقرّر النبي – صلى الله عليه وسلم – حقوق
الضعفاء ، ويحذّر الناس من بخسها فيقول : ( إخوانكم
خَوَلكم – أي من يخدمونكم - جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده
فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن
كلّفتموهم فأعينوهم ) رواه البخاري ومسلم
، ويقول أيضا : ( إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده
معه ، أو ليناوله منه ؛ فإنه هو الذي ولي حرّه ودخانه – أي الذي باشر
الطباخة متحمّلاً الأذى الحاصل من الحرارة والدخان - ) رواه ابن ماجة .
وأثنى النبي – صلى الله عليه وسلم – على
بعض المواقف والكلمات التي كانت تصدر من أهل الجاهليّة - على الرغم من
كفرهم - لموافقتها للحق الذي جاء به ، وتحقيقاً لقوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب
للتقوى } ( المائدة : 8 ) ، فمن ذلك ثناؤه – صلى الله عليه وسلّم –
على لبيد بن ربيعة بقوله : ( أصدق كلمة قالها شاعر
كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) متفق عليه ، وثناؤه على
تحالف بعض أهل الجاهلية على نصرة المظلوم بقوله ( قد
شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دُعيت به في الإسلام لأجبت ) الحميدي بسند صحيح ، وهذا من عدله
عليه الصلاة والسلام وإنصافه .
رواه
بل حتى الحيوانات كانت تنال حظاً من رعايته
– صلى الله عليه وسلم – وعدله ، فعن عبد الله بن
جعفر رضي الله عنه قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حائطا لرجل من الأنصار ، فإذا جمل ، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -
حنّ وذرفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكت ، فقال :
( لمن هذا الجمل ) ، فجاء فتى من الأنصار
فقال : لي يا رسول الله ، فقال له : ( أفلا تتقي الله
في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛ فإنه شكى إليّ أنك تجيعه وتدئبه –
أي تتعبه ) رواه أبو داوود .
هذا هو سيّد الأنبياء وإمام الأتقياء – صلى
الله عليه وسلم - ، وهذه جوانب من سيرته العطرة محفوظةٌ في ذاكرة التاريخ
وفي ضمير البشريّة ، شاهدةٌ على قسطه وعدله .
الخميس نوفمبر 19, 2015 7:22 am من طرف raniaa20
» القران الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
الخميس أغسطس 29, 2013 10:27 am من طرف yasser taie
» الكفارة الواجبة على من جامع أهله في نهار رمضان
الأحد يناير 13, 2013 11:07 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ما حكم بيع الكلاب وشرائها
السبت يناير 12, 2013 4:01 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» انا خــــايفه،، ده مش مجرد عنوان يشدكم لاء بجد انا خايفه جدا
الجمعة يناير 11, 2013 6:54 am من طرف bebo96
» تفسير الأحلام لابن سيرين
الجمعة يناير 04, 2013 8:02 pm من طرف قرآنى يا خير كتاب
» الدعاء عند الذهاب الى المسجد وعند دخولهو والخروج منه
الأربعاء يناير 02, 2013 2:36 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» دعاء القنوت
الأربعاء يناير 02, 2013 2:24 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ادعية من القرآن الكريم
الأربعاء يناير 02, 2013 2:18 am من طرف قرآنى يا خير كتاب