النبي صلى الله عليه وسلم مع الموالي
إذا ذُكرت الجاهلية ، سرعان ما تقفز
إلى الأذهان تلك الصورة السوداء ، والمليئة بمشاهد الاستضعاف للطبقة
العاملة والمملوكة ، والهضم المستمر لحقوقها ، والنظرة الدونية التي يُنظر
بها إلى أصحابها ، والمواقف التي تنطق بالاحتقار والكراهية ، واعتبار أن
هذه الفئة من البشر ليست سوى آلات لم تُخلق إلا لخدمة أسيادها ، حتى أصبح
الحديث عن حقوقهم مجرّد حلم يداعب الخيال ويُنسي مرارة الحرمان .
كان ذلك حتى أشرقت شمس الإسلام بمبعث خير
الرسل – صلى الله عليه وسلم - ، والذي جاء برسالة الهدى والحق ، والخير
والعدل ، ليعيد الحقوق إلى تلك الفئة المهضومة ، ويعيد لها اعتبارها ، من
خلال الآداب والتوجيهات التي تجلب النفع لها ، وتدفع الضر عنها .
وكم كان الأثر عظيماً في نفوس من تعاملوا
مع النبي – صلى الله عليه وسلم – من العبيد ، فقد استطاع أن يأسر قلوبهم
ويملك مشاعرهم بسماحة أخلاقه وكريم شمائله ، ولننظر إلى قصّة زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي – صلى الله
عليه وسلم - ، فقد استقرّ في بيته عليه الصلاة والسلام قبل البعثة ، وظلّ
هناك يقوم على خدمته ويرعى شؤونه ، حتى بلغت الأخبار إلى والده بوجوده عند
النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فانطلق مسرعاً إليه ، وطلب منه أن يرد ولده
، فنظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى زيد
وقال : ( إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك )
، ولم يطل اختيار زيد رضي الله عنه
، فلم يكن ليفضّل عليه أحداً ، فقال : بل أقيم عندك ، فسُرّ النبي – صلى
الله عليه وسلم – من موقفه فقرّر أن يتبنّاه ، وهكذا عاش زيد زيد بن محمد حتى أبطل الله
عادة التبني ، والقصة مذكورة في معجم الطبراني
. رضي الله عنه عيشةً هانئةً راضية ، ينسبه
الناس فيقولون :
والذين تشرّفوا بخدمة النبي – صلى الله
عليه وسلم - من العبيد والإماء وغيرهم من الأحرار جمعٌ كبير ، ويمكن
العودة إلى كتاب " زاد المعاد " للإمام ابن القيم
لمعرفة أسمائهم ، حيث عقد فصلاً بيّن فيه أسماءهم جميعاً .
وإذا تتبعنا التوجيهات والحقوق التي قرّرها
النبي – صلى الله عليه وسلم – للموالي والخدم فسنعرف مقدار الاهتمام الذي
حازته هذه الفئة في شريعة الإسلام ، فقد جعل لهم حقّاً في المأكل والمشرب
والملبس ، ودعا عليه الصلاة والسلام إلى إشراكهم في الجلوس ، فقال في
وصيّته الشهيرة : ( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ،
فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ) البخاري ، وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله : ( للمملوك طعامه وكسوته ) رواه أحمد ، وينقل لنا جابر بن
عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يوصى
بالمملوكين خيراً ويقول : ( أطعموهم مما تأكلون ،
وألبسوهم من لبوسكم ، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وفي المشاركة في الجلوس
قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا جاء أحدكم خادمه
بطعامه فليجلسه ، فإن لم يقبل فليناوله منه ) رواه البخاري في الأدب المفرد . رواه
ويؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على
ضرورة الإحسان إلى الخدم والعبيد ، وأن ذلك من أبواب الصدقة فيقول : ( وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ) رواه أحمد ، وجاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم –
فقال : عندي دينار ، فقال له : ( أنفقه على نفسك )
، قال : عندي آخر ، فقال له : ( أنفقه على زوجتك )
، قال : عندي آخر ، فقال له : ( أنفقه على خادمك ، ثم
أنت أبصر ) رواه البخاري في الأدب
المفرد .
ولما كان الخدم وغيرهم من الضعفاء مظنّة
الهضم والظلم ، شدّد النبي – صلى الله عليه وسلم – على تحريم أكل أموالهم
أو تأخيرها فقال : ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف
عرقه ) رواه ابن ماجة .
وسلك النبي – صلى الله عليه وسلم – مع
هؤلاء مسلك التعليم والإرشاد ، والابتعاد عن التوبيخ والتقريع تجاه ما يصدر
منهم من هفوات بشريّة لا يسلم منها أحد ، يقول أنس
رضي الله عنه : خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، والله
ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أفًّ قط ، ولا قال لي لشيء فعلته : (لم فعلته ) ، ولا لشيء لم أفعله : ( ألا فعلته ) ، رواه أحمد
.
كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن
تكليف الموالي بالأعمال فوق طاقتهم ، فقال : ( لا
تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) رواه البخاري .
وإبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية من ضرب
الموالي وتعذيبهم ، نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال : ( ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وقال عليه الصلاة
والسلام : ( لا تضربوا المسلمين ) رواه أحمد .
وكان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه إذا
رآهم يعتدون على مواليهم بالضرب ، كما حصل مع أبي
مسعود الأنصاري رضي الله عنه حين ضرب غلاماً له ، فقال له النبي –
صلى الله عليه وسلم - : ( اعلم
أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه ) ، فقال أبو مسعود رضي الله عنه : يا رسول الله ، هو حر
لوجه الله ، فقال له : ( أما لو لم تفعل لمسّتك النار )
رواه مسلم .
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ضرب
الموالي بغير حقٍ ذنباً يستوجب الكفارة ، وجعل الكفارة هي العتق ، قال –
صلى الله عليه وسلم - : ( من ضرب غلاما له حداً لم
يأته – أي بغير حدٍ - أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه ) رواه مسلم ، وأمر عليه الصلاة والسلام سويد بن مقرن بإعتاق خادمة له قام بضربها ، فقيل
له : ليس له خادم غيرها ، فقال : ( فليستخدموها ، فإذا
استغنوا خلوا سبيلها ) رواه البخاري
في الأدب المفرد .
ومن الآداب اللفظية التي جاء التنبيه عنها ،
النهي عن استخدام ألفاظٍ في حق الموالي والخدم لا تليق إلا بالله عزوجل ،
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي -
صلى الله عليه وسلم – قال : ( لا يقل أحدكم : أطعم ربك
، وضّئ ربك ، اسق ربك ، وليقل : سيدي ، مولاي ، ولا يقل أحدكم : عبدي ،
أمتي ، وليقل : فتاي ، وفتاتي ، وغلامي ) متفق عليه ، والسبب في
النهي أن حقيقة الربوبيّة لله تعالى ؛ فمنع المضاهاة في الاسم ، ومثلها
العبوديّة ، فالمستحقّ لها حقيقةً هو الله جلّ وعلا ، فنُهي عن ذلك لما فيه
من تعظيم لا يليق بالمخلوق .
وفي تزويج النبي – صلى الله عليه وسلم –
لعددٍ من أصحابه الموالي رسالةٌ واضحةٌ في أن العبرة والمعوّل عليه إنما هو
الدين والخلق والتقوى ، بغضّ النظر عن المكانة الاجتماعيّة ، فقد زوّج
مولاه زيد بن حارثة بقريبته زينب بنت جحش الهاشمية رضي الله عنهما ، وزوّج أسامة بن زيد بفاطمة ينت
قيس القرشية ، فكان هذا النموذجان أسوة للأمة من بعده.
وكما قرّر النبي – صلى الله عليه وسلم
–الحقوق ، بيّن في المقابل الواجبات التي ينبغي على المملوك أو الخادم
مراعاتها ، فقال عليه الصلاة والسلام مذكّراً وناصحاً :
( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو
مسؤول عنه ) رواه البخاري .
وهكذا حيثما قلّبت النظر في سيرة النبي –
صلى الله عليه وسلم – تجد الكمال في الأخلاق ، والعدل في الأحكام ، والحلم
في التعامل ، فصلوات الله وسلامه عليه .
الخميس نوفمبر 19, 2015 7:22 am من طرف raniaa20
» القران الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
الخميس أغسطس 29, 2013 10:27 am من طرف yasser taie
» الكفارة الواجبة على من جامع أهله في نهار رمضان
الأحد يناير 13, 2013 11:07 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ما حكم بيع الكلاب وشرائها
السبت يناير 12, 2013 4:01 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» انا خــــايفه،، ده مش مجرد عنوان يشدكم لاء بجد انا خايفه جدا
الجمعة يناير 11, 2013 6:54 am من طرف bebo96
» تفسير الأحلام لابن سيرين
الجمعة يناير 04, 2013 8:02 pm من طرف قرآنى يا خير كتاب
» الدعاء عند الذهاب الى المسجد وعند دخولهو والخروج منه
الأربعاء يناير 02, 2013 2:36 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» دعاء القنوت
الأربعاء يناير 02, 2013 2:24 am من طرف قرآنى يا خير كتاب
» ادعية من القرآن الكريم
الأربعاء يناير 02, 2013 2:18 am من طرف قرآنى يا خير كتاب